Sunday, April 3, 2016

السنة والامام الشافعى واهل الحديث

لقد كان محور الخلاف الاساسى بين ( أهل الرأى ) و ( اهل الحديث )  متمثل فى مدى التمييز بين ما كان ملزما من اقوال النبى وأفعاله وإقراراته ، وبين ما كان منتمى الى مجال الوجود الاجتماعى لشخص النبى .. فقد اصر الفريق الاول على التمييز بينهما ، بينما اصر الفريق الثانى على التوحيد بينهم .. وقد كان للامام ( الشافعى ) الدور الكبير التاريخى ف حسم الخصومة لصالح اهل الحديث .. فبعد كتابة كتاب ( الرسالة ) تم توسيع مفهوم السنة ليشمل كل ( الاقوال والمواقف والافعال المأثورة عن النبى ) وتطبيقها على مختلف انماط السلوك .. وكان نتيجة ذلك ان تكرست السنة النبوية كأصل من اصول التشريع والفقه .. كما انه من العوامل الحاسمة التى جعلت السنة اصل من اصول التشريع تأكد المسلمون من ان ما فى النص القرآنى من احكام لا يفى بحاجات المجتمع الاسلامى المتنامية والمتغيرة ، فكانت هذه الاخبار المنسوبة الى النبى مصدر تشريعى ووسيلة لإضفاء الشرعية على الاحكام الجديدة .. 


- ولقد سعى ( الشافعى ) ومن بعد الاصوليون على تأكيد حجية السنة استنادا الى النص القرآنى بالتركيز على الايات المؤكدة لوجوب طاعة النبى مثل ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) وغيرها من الايات المشابهة للمعنى ليقرر تبعا لذلك : وكل ما سن فقد الزمنا الله باتباعه ، وجعل فى اتباعه طاعته وفى العنود عن اتباعها معصيته التى لم يعذر بها خلقه .. 

- وبالاضافة الى ذلك سعى الشاقعى الى تاكيد حجية السنة عن طريق تأويل معنى ( الحكمة ) الواردة فى آيات عدة فى الكتاب الى مفهوم السنة النبوية بقوله :  فذكر الله الكتاب وهو القرآن ، وذكر الحكمة ، فسمعت من ارضى من اهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة سنة رسول الله وذلك انها مقرونة مع كتاب الله ، وان الله افترض طاعة رسوله ، فلا يجور ان يقال لقول فرض الا لكتاب الله ثم سنة رسوله .. 

وسادت هذه النظرة فى الفكر الاسلامى ، وحاول الاصوليون من بعد الشافعى تدعيمها واعتبار اقوال النبى وافعاله احد مراتب الوحى الالهى ومنهم الامام ( ابن حزم الظاهرى ) الذى قال من خلال فهمه لآيه ( وما ينطق عن الهوى ) : فصح بذك ان الوحى ينقسم من الله عز وجل الى رسوله على قسمين :
- احدهما متلو مألف تأليف معجز النظام وهو القرآن .
 - والثانى وحى مروى منقول غير مألف ولا معجز النظام ولا متلو ولكنه مقروء وهو الخبر الوارد عن رسول الله .
وهو ما احالنا بالطبيعة الى مستند اخر من اعتمده المدافعون عن حجية السنة وهى مسألة ( عصمة النبى ) والتى تعتبر من المسائل الخلافية ..

وبناء على ذلك انقسمت اراء المسلمين فى هذا المجال الى قسمين : 
- قسم اول يسعى الى تنزيه النبى عن الخطأ وتأكيد مبدأ العصمة وبذلك تصبح كل افعاله واقواله وكل ما روى عنه ملزما ، لارتقاء الخبر عنه الى منزلة الوحى >> وادى هذا التصور الى ظهور علوم الحديث المشابهة لعلوم القرآن مثل ( ناسخ الحديث ومنسوخه - علم اسباب ورود الحديث - علم غريب الحديث - علم مختلف الحديث ) >> وه ما يهدف فى النهاية الى ادراج كل ما روى عن النبى فى دائرة الالزام سواء فى الامور التعبدية او العقائدية او السلوكية الحياتية ..
-قسم ثانى لا يطلق صفة العصمة على النبى ، بل يقصرها على تبليغه للوحى ، اما تصرفات النبى اليومية فهى لا تكسب صبغة الزامية ، لذلك فإمكانية خطأ النبى ف الامور الدنيوية وارد ، وهم يستدلون على هذه النظرية الى النص القرآنى وبعض الاحدايث النبوية التى تؤكد موقف النبى من الشماغل الدنيوية الى اعتبر النبى ان الناس ادرى بها منه .. 

** والجدير بالملاحظة اننا نقف على مرويات للنبى ينهى فيها عن كتابة الحديث ومن بينها حديث ابى سعيد الخدرى ان النبى قال : لا تكتبوا عنى ، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه ( مسلم ) وغيره من الاحاديث التى تنهى عن تدوين الاخبار .. وقد حرص شراح الحديث على تجنب المعنى الظاهر لهذه الاحاديث وتأويلها ومن ذلك ما ذكره النووى : قيل ان حديث النهى منسوخ ، وكان النهى حين خيف اختلاطه بالقرآن فلما امن ذلك امر بالكتابة ، وقيل انما نهى عن كتاب الحديث مع القرآن فى صحيفة واحدة لئلا يختلط .. 


** ان الحديث لم يكتسب مكانته التشريعية الا بعد تدوينه ، وهذا التدوين كان استجابة لحاجة المسلمين لايجاد مستند لما يستنبطونه من احكام ، وهو امر يحتاج الى المكتوب لا الشفهى  ، ولعل ذلك من الاسباب التى جعلت مجاميع الحديث مرتبة حسب الابواب الفقهية 

- كما الح الاصوليون والمحدثون فى اطار دفاعهم عن حجية السنة على عدالة الرواة وهو ما كان ردا على الطعون الكثيرة التى شككت فى المرويات عن النبى ، وقد بدت بعض هذه الطعون منطقية الى حد كبير منها ما نقله الفخر الرازى عن احد المخالفين فقال : " قالوا : إنا نحكم بالضرورة ان الرسول متى كان يشرع بالكلام فالصحابة ما كانوا يكتبون كلامه من اوله الى اخره لفظا .. وانما كانوا يسمعونه ثم يخرجون من عنده ، وربما رووا ذلك الكلام بعد ثلاثين سنة .. ومن المعلوم ان العلماء الذين تعودوا تلقف الكلام ومارسوه وتمرنوا عليه لو سمعوا كلاما قليلا مرة واحدة فأرادوا اعادته فى تلك الساعة بتلك الالفاظ من غير تقديم ولا تأخير لعجزوا عنه ، فكيف بالكلام الطويل بعد المدة المتطاولة من غير تكرار ولا كتابة " ...

وقد سجل الخوارج ثلاث من مظاهر اضطراب الموقف السنى من الحديث النبى وهى : 
1-قبول خبر الواحد والعمل به من مناقضته للكتاب ( مثال ذلك حد الرجم الذى ليس له اساس فى النص القرآنى فحد الزنا ف القرآن هو الجلد  ) لكن يتم الاعتماد على احاديث آحاد لتقرير حد الرجم على الزانى 
2- إقرار السنة بنهى النبى عن مزاحمة اى نص اخر للنص القرآنى ومع ذلك فإن معاملتهم للحديث تدل على انهم يوازونه بالقرآن 
3- أقرار اهل السنة بوجوب تطابق الحديث والقرآن ومع ذلك قبولهم لاخبار تشرع لامور لم ترد فى القرآن 

** ان الطعون التى وجهت الى الحديث النبوى وكذلك الموقف السنى المضطرب كانت من الاسباب الهامة التى جعلت الاصوليون يفردون ابوابا خاصة للدفاع عن حجية الحديث التشريعية والتأليف فى علم مختلف الحديث للتوفيق بين الروايات التى ( تلقتها الامة بالقبول ) ودرء تعارضها مع النص القرآنى ، او مع الاراء الفقهية والكلامية لدى اهل السنة .. كما كانت الطعون التى وجهت الى الصحابة سببا فى التأكيد على عدالتهم وفق مبدأ عدالة الصحابة ، ومحاولة تصنيف الاحاديث وفق سلاسل الاسناد وهذا التصنيف انتج ( علوم الحديث ) ..

وبالاضافة الى ذلك ضبطت العلاقة بين المرويات والنص القرآنى على ثلاثة مستويات :
1- علاقة تفسيرية ( وبها يكون الحديث مبينا لما جاء مجملا من القرآن ) 
2- انفراد الحديث بالتشريع ، فينص على حكم معين يجب الالتزام به 
3- علاقة قائمة على النسخ ( حيث ينسخ القرآن الحديث والعكس ) 

** والجدير بالذكر ان المسلمين قد اعتبروا فى كثير من الاحيان  ان السنة لها دور اكبر من القرآن سواء فى العقائد او فى الفقه وهو ما توضحه اقوال من قبيل : 
" عن يحيى بن ابى كثير قال : السنة قاضية على الكتاب وليس الكتاب بقاض على السنة " مع رفض الشافعى لذلك ولكن تم قبوله من الاصوليون 
" عن مكحول قال : القرآن احوج الى السنة من السنة الى القرآن " وهو ما قاله ايضا البربهارى الحنبلى وله نفس المعنى 
**ويبقى ما قاله الحسين بن اسماعيل وهو من الحنابلة دليلا على اقتران تضخم مجاميع الحديث بالفقه : " قيل لاحمد بن حنبل : كم يكتب الرجل من حديث حتى يمكنه ان يفتى ؟ مائة الف ؟ قال : لا .. قيل : ثلاثمائة الف ؟ قال : لا .. قيل خمسمائة الف ؟ قال : ارجو .." 

واخيرا تجدر الاشارة الى ان مجاميع الحديث التى تزايد عددها خاصة فى القرن الثالث من الهجرة لم تقتصر على نسبة اقوال وافعال الى الرسول بل اقحمت فيها اقوال جملة من الصحابة وافعالهم مضيفة عليها كذلك صبغة معيارية مماثلة لمعيار سلوك الرسول ..