“أنا وأنتم عبيد لسنة رسول الله وشرعه المجموع فى هذا الكتاب (صحيح البخارى) فكل ما أمر به نفعله، وكل ما نهى عنه نتركه، وعليه نقاتل”
السلطان مولاي إسماعيل بن الشريف العلوي
قوة عسكرية تركت بصمة واضحة في تاريخ المغرب العربي العسكري والسياسي منذ القرن السابع عشر الميلادي وهى (جيش عبيد البخاري) او انكشارية المغرب!
يعود تأسيس جيش البخارى الى الدولة العلوية الشريفة (الفيلاليين) وتحديدا في عهد ثاني سلاطينها (مولاي اسماعيل بن الشريف العلوى) الذي حكم المغرب في الفترة من عام 1672-1727م، والذى تولى العرش المغربي بعد وفاة اخيه السلطان (مولاي رشيد بن علي الشريف)، وأسس اول حرس ملكى فى الدولة المغربية، وكان مولاى اسماعيل قد اراد تكوين جيش محترف يكون ولاءه الاول والاخير للسلطان فقط بإعتبار ان الجيش النظامى وقتها فى المغرب كان يعانى من الولاءات القبلية، بالاضافة الى انبهار مولاى اسماعيل الشديد بتجربة الجيش الانكشارى التابع للسلطان فى الدولة العثمانية وبجيش المماليك في مصر، وايضا بوجود تجربة سابقة قد حدثت فى المغرب نفسها وهى تجربة (الحرس الاسود) الملكى والذى كان قد تأسس من العبيد الافارقة على يد السلطان المغربى (احمد المنصور الذهبي) بعد غزو مالى والنيجر، وكان صديق السلطان وكاتبه (عمر المراكشي) والمعروف بإسم “عليليش” والذى ايضا كان والده كاتبا للسلطان المنصور على علم بهذه التجربة السابقة، ويمتلك سجلات بها جميع اسماء واماكن وجود الجنود الذين كانوا يشكلون قوة الحرس الاسود سابقا.
فطلب منه مولاى اسماعيل جمع ما تبقى من القادرين منهم، ولكون الاغلبية الساحقة كانت عبيدا فقد امر السلطان القبائل المغربية بتسليم من كان من نسل هؤلاء العبيد الى الدولة، وهكذا استطاع عمر المراكشى جمع حوالى ثلاثة الاف عبد من قبائل تامسنا ودكالة وبلاد الهبط وقبائل بنى حسن رغم صعوبة الامر وما لاقاه من مشاكل، كما اضيف اليهم (الحراطين) الذين جلبهم مولاي اسماعيل خلال حملاته على بلاد شنقيط (موريتانيا)، وقد قدر عددهم بحوالى الفين من العبيد، بالاضافة الى ان القوافل التجارية التى كانت تأتي من بلاد السودان “غرب أفريقيا” عبر المغرب تجلب معها العديد من العبيد.
تم تقسيم الجيش الى ثلاثة اقسام :
*العبيدخالصي الرقبة: وهم العبيد الذين وجدوا فى دفتر عمر بن قاسم المراكشى (بقايا الحرس الاسود) واشترتهم الدولة من اصحابهم.
.العبيد الاحرار: وهم الذين حرروا وتم ادماجهم فى الجندية ادراجاً اجباريا *
*العبيد الاحرار خالصي الحرية: وقد اختير هؤلاء للونهم .. وكان منهم عدد من الافارقة الذين يسكنون المغرب ولا عصبية داخلية لهم ولا يتميزون بنزعة اقليمية.
هكذا تم تأسيس الجيش بحوالى 14 الف مقاتل بعد ان نجحت الدولة فى جمع عدد كبير من العبيد والاماء، وقد وصل عدد عبيد البخارى الى حوالى 150 الف عبد فى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي.
خضعت قوة هذا الجيش الى تنظيم محكم بما يشبه الاكاديميات العسكرية الحديثة المتخصصة فى انتاج العسكر وتربيتهم تربية عسكرية محضة للانخراط مباشرة فى الجيش عبر عدة مراحل تدريبية طويلة على مدار 6 سنوات من التدريب على الاسلحة والفنون القتالية المختلفة.
يرجع سبب تسميتهم بجيش البخارى الى ان السلطان مولاى اسماعيل جعل صحبة الفقهاء والمحدثين القريبين منه تجتمع مع جنود الجيش الجديد ويقسمون الولاء على صحيح البخاري، بل ان السلطان امرهم ان يحملوا صحيح البخارى فى تابوت يضعونه امامهم فى جميع حروبهم، وفى فترات لاحقة تم تأسيس اسطول بحرى لهذا الجيش امرهم السلطان ان يضعوا نسخ مصغرة من صحيح البخاري مع اعلام السفن.
كالعادة حدث من جيش عبيد البخارى نفس ما حدث من الانكشارية العثمانية بعد فترة من الزمن منذ ان باتت لهم المكانة الابرز واليد الطولى داخل اروقة الدولة، ومع تعاظم دورهم في استتاب الامن وتصديهم للقلاقل داخل الدولة القبلية والاعتماد عليهم اعتمادا شبه كلى فى الحروب الخارجية، وبعد وفاة السلطان مولاى اسماعيل وانتقال السلطة الى نجله الملقب بالذهبى بدأوا بالتدخل فى ادارة الدولة وشؤونها، وقد فشل الذهبى رغم اغداقه الاموال والعطايا عليهم فى السيطرة عليهم والتصدى لقوتهم الى ان عزلوه فى النهاية وانقلبوا عليه، وولوا مكانه اخاه عبد الملك والذى حاول تقليل نفوذهم وتقليل العطايا الممنوحة لهم لينقلبوا عليه هو الاخر ويعزلوه ويُطرد من مكناس العاصمة الى مدينة فاس، ويعيدوا الذهبى مرة اخرى الى الحكم، وبعد وفاة الذهبى واخذ البيعة لاخيه عبد الله استمرت الامور كما هى عليه من خروجهم عن السيطرة وعدم قدرة الحاكم عل تقليل العطايا حتى اوشكت خزينة الدولة على النفاذ، ومع تمردهم اطلق جيش البخارى يده فى الاستيلاء على اراضى الدولة ومنازل الاهالى وطردهم منها، ثم استمر تمردهم بعزل عبد الله والاتيان بأخيه زين العابدين، ثم عزلوه بعد فترة هو الاخر، وتمت البيعة للمستضئ واستمرت الامور على ما هى عليه من سيطرتهم على مقاليد الدولة وعزل السلاطين وتعيينهم حتى تولى مقاليد الحكم (محمد الثالث) بن عبد الله بن اسماعيل، والذى لم يجد حلا للتخلص من نفوذ الجيش البخاري الا بالخروج من العاصمة مكناس الى مراكش، ومحاولة السيطرة عليهم بالتدريج، واستطاع بمرور الوقت تجريد البخاريين من اسلحتهم ونفوذهم، وتسريح اغلبهم والابقاء على بعض كتائبهم.
بعد تاريخي ما زالت ظلاله باقية حتى يومنا الحاضر، إذ ما زالت بعض كتائبهم موجودة، ويشكلون قوة الحرس الملكى المغربى منذ اطلق عليه الملك الراحل محمد الخامس هذا الاسم
https://twitter.com/zoooska
https://twitter.com/zoooska