Wednesday, July 18, 2018

حاكمية الله وسلطان الفقيه - الجزء الاول ( بين الإمامة وولاية الفقيه )

ينطلق الشيعة الإمامية من أن خلافة النبى محمد قد تسلسلت فى الأئمة المعصومين الاثنى عشر وهم على التوالى :

1 - على بن ابى طالب ، بعد النبى وذلك بنص من النبى تشهد له آيات فى القرآن الكريم بحسب التفسير والتأويل الشيعى 
2- الامام الحسن بن على 
3- الامام الحسين بن على 
4- الامام على بن الحسين 
5- الامام محمد بن على الباقر
6- الامام جعفر بن محمد الصادق
7- الامام موسى بن جعفر الكاظم 
8- الامام على بن موسى الرضا
9- الامام محمد بن على الجواد
10- الامام على بن محمد الهادى 
11- الامام الحسن بن على العسكرى
12- الامام محمد بن الحسن المهدى المنتظر 

وهؤلاء الائمة هم خلفاء النبى فى الاعتقاد الشيعى ، فهم يمثلون " استمرار السلطة الاسلامية الشرعية ، وإن كانوا بإستثناء امير المؤمنين الامام على بن ابى طالب لم يتمكنوا من تسلم السلطة الفعلية العامة التى كان يتولاها الخلفاء المتسلطون من الامويين والعباسيين وغيرهم من الحكام المسلمين على مدى التاريخ " *الشيخ محمد مهدى شمس الدين ( فى الاجتماع السياسى والاسلامى )
; وقد مارس هؤلاء الائمة ، منذ تخلى الامام الحسن عن السلطة الرسمية المعلنة فى سنة 40 هجرية سلطة فعلية سرية غير معلنة رسميا على كل الملتزمين بخط التشيع ، بحيث ان حياة المسلمين الشيعة الدينية - السياسية وحياتهم العادية المدنية ، كانت تقوم على اساس فقه ائمة آل البيت 

اما الخلفاء والحكام الفعليون فقد نظر اليهم الشيعة على انهم يتولون منصبا ليس لهم ، ويمارسون صلاحيات لا يتمتعون بها ، فلم يفوضها احد اليهم ، لذا فهم الظالمون وهم ولاة الجور ، ولما كانت سلطة هؤلاء الحكام غير شرعية فقد حرم الائمة معاونتهم فى ظلمهم والعمل معهم ودعم سلطانهم فضلا عن الاعتراف بشرعية سلطانهم ،ولكنهم اباحوا العمل والتعامل معهم لحفظ النظام العام ووحدة الامة ودفع الضرر عن المؤمنين واقامة العدل فى الرعية ، هى هنا اباحة مشروطة ومقيدة وجزئية وليست عامة ، وشرطها الاساسى ان لا تؤدى الى الاعتراف بشرعية ولاة الجور واعانتهم على الظلم ، اما فى حالة ( الضرورة للخوف على النفس او غير ذلك من موارد الضرورة ) فيجوز اللجوء الى ( التقية ) التى يجب ان تمارس فى الحالات غير المشروعة التى تقضى بها الضرورة ، اما بالنسبة للحالات المشروعة فلا معنى للتقية فيها 

يتضح مما سبق ان الموقف الفقهى الإمامى من ولاة الجور يتشابه مع موقف الفقه السنى من الحكام غير الشرعيين الذين لم يصلوا الى السلطة عن طريق الشورى ، وانما استولوا عليها عن طريق القوة والغلبة ..

لكن المشكلة التى تحتاج الى حل على المستوى الفقهى الشيعى هى الموقف من ( الحكم الاسلامى ) فى عصر ( الغيبة الكبرى ) للإمام الثانى عشر ، ومن المعروف ان ( الغيبة الصغرى ) بدأت عام 260 هجرى ، وهى تمثل الفترة التى بقى فيها الإمام محمد بن الحسن المهدى المنتظر مختفيا عن الانظار ، هى فترة استمرت 65 عام حيث كان الاتصال بين الشيعة والامام المختفى تتم بواسطة ( السفراء ) وهم اربعة :
1- عثمان بن سعيد العمرى 
2- محمد بن عثمان العمرى 
3- الحسين بن روح النوبتخى 
4- على بن محمد السمرى 

وقد امتدت الغيبة الصغرى الصغرى الى سنة 329 هـ وانتهت بوفاة السفير الرابع ، وبوفاته بدأت الغيبة الكبرى ، وقد تم اعلان هذه الغيبة الكبرى فى آخر رسالة تلقاها السفير الرابع من الإمام وهى :
" بسم الله الرحمن الرحيم ، يا على بن محمد السمرى ، اعظم الله اجر اخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع امرك ولا توص الى احد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور لأحد الا بعد ان يأذن الله تعالى ،وسيأتى من يدعى المشاهدة قبل خروج السفيانى والصيحة ،فهو مغتر كذاب "

وقد توفى السمرى خلال ستة ايام من تاريخ الرسالة ، اذن كان السفير يقابل الامام شخصيا ويسلمه الكتب والحوائج والاموال ويتسلم منه الاجوبة والتعليمات اعامة والخاصة ، وقد انقطعت الولاية التى تولاها السفراء مع انقطاع توقيع الإمام الى آخر نوابه السمرى وبإنتهاء فترة الغيبة الصغرى وبدء فترة الغيبة الكبرى من دون ان يوصى السمرى بالنيابة الى احد *آية الله الشهيد حسن الشيرازى  ( كلمة الإمام المهدى )


إن فكرة عودة المهدى ( الرجعة ) وظهور قائد فى آخر الزمان يملأ الارض عدلا بعد ان ملئت ظلما وجورا هى فكرة محورية عن الشيعة ، وهناك احاديث روتها كتب الصحاح عن النبى محمد تفيد بظهور " مهدى " يأتى ليقيم العدل ، لكن الفكرة عند الشيعة تستند الى روايات الأئمة ايضا وهى تفيد بأن المهدى المنتظر هو بالتحديد ابن الإمام الحسن العسكرى ، وانه صاحب الحق الوحيد فى ملئ منصب الإمامة ، وطالما هو فى غيبته الكبرى ، لا يمكن اشغال هذا المنصب باى شخص آخر ، فغيبة الإمام لا تلغى الحق الشرعى والإلهى فى الولاية ، ووفق هذا المنطق يستحيل عمليا تعيين خليفة اخر غير معصوم مع وجود الامام المعصوم حيا ولكن فى غيبته الكبرى ، فمركز الامامة او الخلافة ليس شاغرا بوجود الامام الثانى عشر فى غيبته ، وهو لم ينص على نائب او سفير له ، ولم يجرؤ احد على ادعاء ذلك اعتمادا على حديثه ( فمن ادعى رؤيتى فهو مغتر كذاب )

لذلك تنتفى شرعية قيام دولة اسلامية فى عصر الغيبة ، وهذا هو الرأى الفقهى الشيعى الذى ذهب اليه اغلب الفقهاء قديما وحديثا ، خاصة وانهم يشترطون فى الحاكم ( الإمام ) ان يكون من آل البيت ، معصوما من الزلل والخطأ فى عمله وعلمه ، وعليه فإن غيبة الإمام تسحب الحق من أى من كان ان يدعى الحكم بإسم الدين او ان يدعى الشرعية الدينية

لا شك فى أن هناك إشكالية واجهت الفقه الشيعى واجهت الفقه الشيعى فى هذا المجال ، فالإمام المعصوم حى موجود ،"وهو إمام الزمان ، والفراغ فى السلطة الاسلامية ليس ناشئا عن عدم وجود الامام ،وانما هو ناشئ عن غيابه الذى تسببت به اوضاع الامة نفسها بسيطرة حكام الجور عليها " *الشيخ محمد مهدى شمس الدين ( فى الاجتماع السياسى والاسلامى )

ويناقش جمهور الفقهاء الشيعة مبدأ الشورى " ولا يسلمون بكونه اساسا صالحا لإعطاء شرعية للحاكم المنتخب او المعين على أساسه " *الشيخ محمد مهدى شمس الدين ( فى الاجتماع السياسى والاسلامى ) - والحاكم لا يمكن ان يكون اصيلا مع وجود الامام المعصوم الغائب الذى هو الحاكم الاصيل بمقتضى عقيدة الشيعة الإمامية فى مسألة الإمامة

إن اشكالية السلطة هذه بلورت اتجاهبن عند فقهاء الشيعة :

1- الاتجاه الاول يذهب اصحابه الى عدم مشروعية إقامة حكم اسلامى فى عصر الغيبة الكبرى ، لان اقامة الحكم وتعيين الحاكم ، يقتضيان ممارسة الولاية العامة والتصرف فى اموال المسلمين وانفسهم بمقتضى هذه الولاية العامة ـ وعند اصحاب هذا الاتجاه ، الولاية هى فى الاصل لله وحده ، ولا ولاية لأحد على أحد ، والمؤكد خروجه على هذا الاصل هو ولاية التصرف العامة على المسلمين للنبى محمد وللإمام المعصوم دون من عداهما ، وما عدا ذلك فيبقى مشمولا للاصل الاولى القاضى بعدم ولاية احد على احد ، اما الفقيه الجامع للشرائط فقد دل الدليل على ثبوت بعض الولابات الخاصة المحدودة والمحددة له ، مثل اخذ الاحكام منه على مستوى الفتوى ، وفى القضاء لفصل الخصومات بين المتنازعين وبعض القضايا الاخرى ، هى ما اصطلح عليها فقهيا بـ ( الامور الحسبية ) مثل الولاية على الاوقاف التى لا ولى عليها ، والولاية على الايتام وسائر القاصرين الذين لا ولى لهم ، ونتيجة هذا الموقف الفقهى هى عدم مشروعية السعى الى اقامة حكم اسلامى فى عصر الغيبة

2 - الاتجاه الثانى الذى يذهب اصحابه الى مشروعية اقامة حكم اسلامى فى عصر الغيبة ، ويستند اصحاب هذا الرأى الى ما اصطلح عليه بـ ( ولاية الفقيه ) والدليل عليه عندهم أن الإمام المعصوم قد نصب الفقيه الجامع للشرائط فى عصر الغيبة الكبرى ، وليا عاما ، ولا ية تصرف على المسلمين ، ويرى هذا الاتجاه انه ثبت للفقيه بمقتضى هذه الولاية جميع ما ثبت للإمام المعصوم الولاية عليه ، وهذا الفقيه الجامع للشرائط هو الحاكم الاسلامى المعين بـ ( النصب العام ) حاكما على المسلمين ، وهذا هو اساس مصطلح ( ولاية الفقيه ) ونتيجة لهذا الموقف الفقهى فعلى المسلمين إقامة حكم اسلامى فى عصر الغيبة على اساس ولاية الفقيه ، الذى يعطى الشرعية لكل التصرفات التى يتوقف عليها انشاء الدولة الاسلامية واستمرارها ..





No comments:

Post a Comment